الأحد، 14 يوليو 2013

حاجتنا الى الابداع ( 2 )


حاجتنا الى الابداع ( 2 )
وهنا تكمن أهمية الخبرة في الإدارة؛ حيث إن الفكرة الإبداعية فكرة جديدة على الجميع، وبطبيعة الحال لن يكون لأحد خبرة بها، لكن القائد المبدع لابد أن يكون له من التجارب المشابهة أو القريبة الشبه بالفكرة ما يجعله يُخَمِّن بدرجة عالية من الإصابة مدى جدوى هذه الفكرة.
وإذا تخيلنا إمكانية فشل الصحابة -رضوان الله عليهم- في إتمام حفر الخندق قبل قدوم الأحزاب؛ خصوصًا مع قلة العدد، وشدة البرد، ونقص الغذاء، وضخامة العمل -"فقد جاء في كتاب: أطلس السيرة النبوية ـ للدكتور: شوقي أبو خليل: أن طول الخندق كان خمسة آلاف وخمس مائة وأربعة وأربعين مترًا ـ5544ـ ومتوسط عرضه أربعة أمتار فاصلة اثنين وستين ـ4.62ـ، ومتوسط عمقه ثلاثة أمتار فاصلة ثلاثة وعشرين ـ3.23-، والله أعلم"-.
إذا تخيلنا أن الخندق لم يكتمل حفره تحت أي ظرف من الظروف؛ لكان معنى ذلك أن كل مجهودات الصحابة في الحفر قد ضاعت سدى، ثم إنهم قد ضاعت عليهم الفرصة في الاستعداد للمعركة بالصورة التقليدية فتكون الخسارة من جهتين.
وهنا يكمن الدور الإداري للنبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قسَّم الصحابة إلى فرق، ووزع الأدوار، وحدد المهام، ثم أخذ يتابع بنفسه سير الأحداث حتى إنه علم بوجود الصخرة التي لا تعمل فيها المعاول.
الشاهد أن "الفكرة الإبداعية" لـ"سلمان الفارسي" لم تكن لتنجح في حماية المدينة إلا بوجود تلك "الإدارة ذات الكفاءة والقوة الإدارية" التي تمكنت من توظيف الطاقات والتنسيق التام بينها؛ لكي تتحول "الفكرة الإبداعية" إلى واقع محمود.
وإذا حاولنا تلمُّس صور الكفاءة والقوة في مجال الدعوة إلى الله -تعالى- خصوصًا بين الدعاة السلفيين؛ نجد أن الله -تعالى- قد أنعم على الدعاة السلفيين بقدر وافر من "الكفاءة الفنية"، فمنهم: المبدع في الخطابة والوعظ، ومنهم: المبدع في التأليف، ومنهم: المبدع في رد الشبهات وإفحام الخصوم، بل ومنهم: المبدع في كل ذلك في آنٍ واحد؛ ولذلك صار "المنهج السلفي" هو الأكثر انتشارًا -بحمد الله تعالى-، هذا -بالطبع- في المرتبة الثانية بعد كونه هو المنهج الحق فهو يستمد قوته من نفسه، بينما يستمد الدعاة إليه قوتهم منه.
لكن إذا نظرنا إلى الكفاءات في مجال "الإدارة الدعوية" بين أتباع التيار السلفي لا نجدهم بنفس الوفرة خصوصًا في ظل وجود من يشكِّك في جدوى ذلك النوع من العمل الدعوي تحت دعوى نبذ الحزبية والتعصب.
ومما أدى إلى تفاقم المشكلة: ارتفاع سقف الحرية في الدعوة إلى الله -تعالى- مما فتح أمام الدعاة مساحات دعوية لا حصر لها ولا قِبَل لهم بتغطيتها بجهود فردية عفوية، مما يحتم إيجاد أسلوب إداري مبتكر للاستجابة الفعالة لهذا التحدي الطارئ، خصوصًا أن المستقبل يحمل -بلا شك- كمًّا كبيرًا من المفاجآت، مما يحتم الاستفادة من الواقع بأكبر قدر ممكن من الجدية والفاعلية.
زد على ذلك: إمكانية تطبيق تصوُّر "الدعوة السلفية" الشامل عن العمل للإسلام، والذي يتضمن: العمل السياسي والاجتماعي فضلاً عن العمل الدعوي، وهو ما يتطلب كمًا هائلاً من الكوادر والكفاءات؛ ولذلك نحتاج إلى قيادات دعوية كفء و مبدعة لها القدرة على اكتشاف الطاقات والاستفادة منها بأكبر قدر ممكن من الاستفادة.
وإذا كانت الثغرات المفتوحة أمام الدعوة كثيرة؛ فإن أكثرها اتساعًا وأولاها بالاهتمام هو: إيجاد هذه النوعية من القيادات الدعوية، ونشرها في كل المناطق والقطاعات.
وليس إيجاد هذه القيادات بالأمر المستحيل، بل إذا أخذنا بالأسباب؛ فلن نعدم من شباب هذه الدعوة المباركة خيرًا -إن شاء الله-، خصوصًا أن الله -تعالى- لم يحرمنا من عدد من هذه القيادات الموجودة فعلاً؛ ولذلك فعليهم أن يجعلوا أكبر اهتمامهم لتدريب قيادات جديدة؛ لتتمكن من سد الثغرات المفتوحة وملء المساحات الفارغة.
ولا بد من الانتباه إلى أن الكفاءة وإن كان الأصل فيها أنها موهبة إلا أنه يمكن تحصيلها عن طريق التدريب.
وفي الختام نذكر بعض حوافز الكفاءة والإبداع عند القيادات الدعوية:
1- الإخلاص والصدق والحماس في حمل هم الدين: (إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، حتى إن الصحابي عبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنه- حين حمل هم الدعوة إلى الصلاة أكرمه الله -تعالى- بهذه الفكرة الجميلة الجديدة ؛ "فكرة الأذان" في المنام.
2- ترك الذنوب الظاهرة والباطنة؛ لأنها تطفئ نور البصيرة.
3- كثرة الذكر والاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنها سبب صفاء الذهن، وعمق التفكير، وتركيز الانتباه، وقطع الشواغل، وانفتاح نوافذ استقبال الرحمات والبركات.
4- كثرة قراءة القرآن الكريم مع التدبر ومطالعة السيرة النبوية العطرة، والتعايش اليقظ مع تجارب الأنبياء.
5- مخالطة الدعاة المبدعين في الإدارة الدعوية، والاستماع لتجاربهم، وتحليل كل كلمة وموقف فيها، وتدارس أدق التفاصيل عن كل الأحوال المحيطة بها.
6- حسن الإنصات لكل فكرة مهما كانت غريبة أو حتى ساذجة؛ لأن إعمال الفكر فيها قد يفتح البصيرة لفكرة أخرى أكثر عمقًا، وأعمق أثرًا.
7- توفير قنوات سالكة لانتقال المعلومات.
8- تحمل المخاطرة.
9- قراءة الكتب الأكاديمية في علم الإدارة.
نسأل الله -تعالى- أن يستعملنا لنصرة دينه على خير وجه يرضيه عنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق